المايسترو يرحب بكل زائري الموقع
أقسام المايسترو ... يحى رياض
مختارات القراء لهذا الأسبوع
-
بسم الله الرحمن الرحيم أولا / البيانات الاساسيه الاسم /يحيي رياض عرابى قاسم تاريخ الميلاد /10/12/1959 محل الميلاد /قنا –ابوتشت – بلاد...
-
أكدت الفنانة وردة الجزائرية انها لن تعتزل الغناء وستظل تغني حتى تلفظ انفاسها الاخيرة ، لأن الغناء بالنسبة لها هو الحياة والجمهور هو الهواء...
صباح.. أشهر وآخر معددة في مصر
الخميس, يناير 19, 2012 | مرسلة بواسطة
يحيي رياض |
تعديل الرسالة

''يا خسارة مهنتنا راحت عليها، بعد ما كنت بكسب منها دهب''.. هكذا ندبت صباح صاحبة إحدى المهن المنقرضة حظها، وهي تتحسر على الايام الخوالي. وتعمل صباح في مهنة ''المعددة''، التي لم يعد يعمل بها غيرها، وقد التقى بها ''مصراوي'' في مقر سكنها وعملها أيضا بمقابر البساتين، للتعرف على طبيعة المهنة، قبل أن تذهب نهائيا إلى عالم النسيان.
في بداية حديثي مع "صباح" - 55 سنة والتي رفضت تصويرها - عرفتني أولا بطيعة مهنة "المعددة" قائلة انها عبارة عن القيام بالاشتراك في جنازة الميت - مقابل أجر تحصل عليه - سواء بمقر العزاء أو أمام المقابر، وترديد عبارات النعي التي تعدد محاسن المفقود، والحسرة على فراقه، وحزن أهله عليه، والفراغ الذي سيتركه في حياتهم، وذلك يتم بصوت مرتفع ومُغلف بالعويل والبكاء ولطم الخدود، وبالطبع يجب على "المعددة" ارتداء الجلباب الأسود في عملها.
بداية العمل قبل 30 عام
بدأت "صباح" - التي تقيم وزوجها وابنائهما الأربعة في احد أحواش المقابر - عملها قبل أكثر من 30 عاما، وذلك بعد زواجها مباشرة من أحد جيرانها الذي يعمل "حانوتي"، وكانت أم الزوج "حماتها" تعمل "معددة" وكانت تعيش معها في نفس "الحوش" الذي تقيم به، وهي أيضا التي جذبتها للعمل معها كمساعدة، بعد أن ضعفت صحتها.
حماة "صباح" تولت مهمة تدريبها على أساسيات العمل؛ وهي كيفية أداء صوت العويل من خلال النبرة "المبحوحة"، وتدريب العين على البكاء السريع والمتواصل، وإن لم ينفع ذلك يتم استخدام نوع من "القطرة" التي تجعل العين تذرف الدموع بغزارة، كما بدأت "صباح" في حفظ عدد من الجُمل المُعتاد قولها في حالة "التعديد" على الميت منها (مكنش يومك ياحبيبييييي، ملناش حد بعدك ياخويااااا، وغير ذلك).
كورال من السيدات
أول مرة خرجت فيها صباح للعمل، كانت في وفاة شخص بمدينة "الزقازيق"، وقد شعرت بكسوف وارتباك، ولم تستطع أن تفعل أي شيء، سوى متابعة حماتها وهي تلطم خدودها، مُتظاهرة بحزنها على المرحوم، وتدريجيا أتقنت "صباح" المهنة، وورثت "عدة الشغل" بعد وفاة حماتها، وهي عبارة عن عدد من الجلاليب والإيشاربات السوداء.
أصبحت "صباح" أشهر "معددة" في القاهرة خلال تلك الفترة، وتفوقت على قريناتها اللاتي كن ينتشرن في معظم المحافظات، خاصة بعدما كونت ما يشبه "الكورال" المكون من 12 سيدة وبدأت تعمل "كروت شخصية" للدعاية لها، توزعها في كل مكان، وتُعلن فيها عن استعدادها للعمل في أي محافظة، وأنها توفر أفضل الخدمات بأقل سعر.
قواعد العمل
ذاع صيت "صباح" في كل مكان، حتى أنها أصبحت بمثابة نقيبة "المعددات"، حيث تلجأ إليها كل من تواجه مشكلة في عملها، ووضعت قواعد للعمل في هذة المهنة من خلال تحديد قائمة بالأجور والأسعار ومناطق نفوذ وعمل كل "معددة"، وحُكمها في أي مشكلة - تقع بين أرباب المهنة - مُلزم، حتى أنها كانت تعقد اجتماعا شهريا - تحضره "المعددات" من كافة المناطق بأحد أحواش المقابر - لمناقشة أي تطورات في العمل.
أما عن الأجر الذي تحصل عليه "صباح" مقابل فيتراوح بين 100 و500 جنيه، حسب المدة التي تؤدي فيها عملها، أما الزبائن فأغلبهن من محافظات الوجه البحري وسكان المناطق الشعبية، وعندما يحضر لها الزبون فهي فقط تتعرف منه على اسم "المرحوم" وطبيعة عمله، وأسماء أبنائه وزوجته واسم أمه وغير ذلك، وما إذا كانت ستمارس عملها في سرادق العزاء أم أمام القبر عند الدفن.
حكاية الكلب "مشمش"
وعن أغرب مُهمة قامت بها "صباح" فكانت عندما حضر إلى بيتها ومقر عملها أحد الرجال بسيارة فارهة، وطلب منها أن تحضر إلى احد العنوانين - الذي أعطاها إياه - وعندما ذهبت في الموعد وإلى المكان المحدد، وجدت نفسها أمام فيلا فخمة بمنطقة المهندسين، ولاحظت أن الحاضرين بالعزاء من السيدات "الهاي كلاس" الذين يتردون فساتين سوداء "أخر موضة"، وعندما استفسرت عن اسم المرحوم قالوا لها أن اسمه "مشمش"، فأخذت تمارس عملها بكل إتقان والبكاء على روح "مشمش" خاصة أنها حصلت على 300 جنيه كأجر.
وكانت المفاجأة التي لم تتوقعها صباح أبدا، عندما كانت تنتظر خروج المرحوم لتكتشف ما هو إلا "كلب" صغير، تمتلكه صاحبة الفيلا، وتستعد لدفنه بمقابر الكلاب في "نادي الجزيرة"، ومع ذلك واصلت "صباح" عملها لان ما يهمها هو الحصول على "المعلوم".
انقراض المهنة
وقد أكدت أن المهنة الآن لم يعد لها أي وجود؛ فقد يمر عليها شهور كاملة دون أن يستعين به احد، في حين أن هذه المهنة كانت ذات مكانة - حسب قولها - قبل عشرون عاما، وأنها كانت تحقق لها أرباح، ساعدتها على إلحاق أبنائها بالتعليم، وهي لم تفكر - ولو لمرة - في ترك "الحوش" التي تعيش فيه بالمقابر، لأنه المقر الذي يعرفه كافة الزبائن الذين يقصدونها.
حاليا.. تفكر صباح - التي شحب وجهها وضعف بصرها بعدما أجهدها لطم الخدود وذرف الدموع اللازمة للعمل - في ترك المهنة خاصة أن من أبنائها من التحق بالجامعة، وطلبوا منها ترك هذا العمل، ولكنها تؤجل هذا الأمر، وتعمل أيضا حانوتية للسيدات وتقوم بتنظيف المقابر مقابل أجر، وذلك حتى توفر نفقات علاج زوجها المريض بالكبد منذ 9 سنوات، ولتتمكن من توفير نفقات الأسرة وليستكمل الأبناء تعليمهم.

الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق